[أعترف]
أنا الذي كنت أضحك ممّن يظنّ أنّا نعيش أربعًا وعشرين ساعة من يومنا في الحرب، وبين أصوات المدافع، ويتخوّف من زيارتها ويسأل عن حياتنا فيها، لقد تخوّفت وجفلت لمّا قيل لي قبل نحو شهر "فيه مؤتمر طبّي في غزة يومين، تروح؟"، ورددت: شو؟ لا! ثمّ بعد تردد قبلت. (هه!). هذا رغم أنّي منذ أمد غير قريب كان لديّ رغبة جارفة لزيارة غزة، للتعرف على هذا القطعة من الأرض، التي تشوبها بعض الأسطورية حتى لشخص يعيش داخل فلسطين.
برفقة ٣ رجال بريطانيين، واحد منهم أصله عراقيّ (وما أجمل ما كان عندما يتحدّث بلكنتها، غير أنه كان يراعي وجود الإنكليزيّين الآخرين فنادرًا ما كان يفعل)، وصلنا معبر إيرز (أو معبر بيت حانون، البوابة الوحيدة المفتوحة باتجاه غزة، من أقصى شمالها)، إني لا أعرف شيئًا أرض أطأها لأوّل مرّة، وقبالتنا بوابة فمشينا باتجاهها، لكن مجنّدتين بالمرصاد بدأتا بشكل هستيري بالصراخ باتجاهي من بعيد أنّ هذا المدخل ليس لي. حسنًا الظاهر أنّ هذا للأجانب ولي بوابة أخرى أشارتا لي نحوها. لم تكن الإجراءات ولا التفتيش معقّدان، نصف ساعة أو أقل وكان كل شيء جاهز.
لما التقينا بعد اجتياز المعبر الإسرائيلي سألني أحد البريطانيين كيف عرفت المجندة من بعيد أنّك -وحدك من بيننا- فلسطيني، رغم أنّ رفيقنا ذا الأصل العراقي لا تختلف سحنته عنك، فأجبته "أنّنا واليهود نعرف بعضنا جيّدًا ولو من بعيد". فضحك.
كان بعد نقطة اليهود نقطة للسلطة -التابعة لفتح- شبه شكلية من أجا التنسيق المباشر مع اليهود لم تأخذ منّا وقتًا، ثم تأتي نقطة تتبع لحماس وفيها أخذوا بيناتنا كأنّا نقطة حدود رسمية بين دولتين.
بعد اجتماعات النهار الأوّل التقيت بعمتي وأهلها، الذين التقيتهم قبل اندلاع الإنتفاضة الأولى عام ٢٠٠٠ للمرّة الأخيرة، وصلت مخيم النصيرات وسط قطاع غزة حيث يقيمون بعد المغرب، وفوجئت بحيوية الشوارع وامتلائها بالمتسوقين ومرتادي المطاعم، كانت الحياة عامرة. بتّ ليلتي هناك وأكلت ألذّ سمك في حياتي؛ ثم أوصلني ابن عمتي صباحًا لمرافقيّ حيث المؤتمر، فعرفتهم "ابن عمومتي الذي ألم أره منذ عشرين عامًا"، فاستغربوا، ثم عقّب أحدهم: أنا وابن عمي لم نر بعضنا أيضًا منذ عشرين عامًا .. حسنًا لكن هذا باختيارنا.
في الليلة الثانية تمشينا في حيّ الرمال والسرايا وميناء غزّة وشارع المؤسسات، هذه الأسماء التي كانت خيالًا أو شيئًا دانيه، صرت أمشي بلحمي ودمي فيها، وفي بالي قول القائل "وقد يجمع الله الشتيتين" إيه، والله كنت أظنّ أن لا تلاقيًا. بعض الشوارع مظلمة عن بكرة أبيها رغم حركة الناس فيها، وبعضها تنبض بالحياة والمطاعم والمحلات تمتلأ بالمرتادين، دخلنا أحد المولات الفخمة التي ما كنت لأتخيّل وجود مثلها حتى في الضفة.
برفقة ٣ رجال بريطانيين، واحد منهم أصله عراقيّ (وما أجمل ما كان عندما يتحدّث بلكنتها، غير أنه كان يراعي وجود الإنكليزيّين الآخرين فنادرًا ما كان يفعل)، وصلنا معبر إيرز (أو معبر بيت حانون، البوابة الوحيدة المفتوحة باتجاه غزة، من أقصى شمالها)، إني لا أعرف شيئًا أرض أطأها لأوّل مرّة، وقبالتنا بوابة فمشينا باتجاهها، لكن مجنّدتين بالمرصاد بدأتا بشكل هستيري بالصراخ باتجاهي من بعيد أنّ هذا المدخل ليس لي. حسنًا الظاهر أنّ هذا للأجانب ولي بوابة أخرى أشارتا لي نحوها. لم تكن الإجراءات ولا التفتيش معقّدان، نصف ساعة أو أقل وكان كل شيء جاهز.
لما التقينا بعد اجتياز المعبر الإسرائيلي سألني أحد البريطانيين كيف عرفت المجندة من بعيد أنّك -وحدك من بيننا- فلسطيني، رغم أنّ رفيقنا ذا الأصل العراقي لا تختلف سحنته عنك، فأجبته "أنّنا واليهود نعرف بعضنا جيّدًا ولو من بعيد". فضحك.
كان بعد نقطة اليهود نقطة للسلطة -التابعة لفتح- شبه شكلية من أجا التنسيق المباشر مع اليهود لم تأخذ منّا وقتًا، ثم تأتي نقطة تتبع لحماس وفيها أخذوا بيناتنا كأنّا نقطة حدود رسمية بين دولتين.
بعد اجتماعات النهار الأوّل التقيت بعمتي وأهلها، الذين التقيتهم قبل اندلاع الإنتفاضة الأولى عام ٢٠٠٠ للمرّة الأخيرة، وصلت مخيم النصيرات وسط قطاع غزة حيث يقيمون بعد المغرب، وفوجئت بحيوية الشوارع وامتلائها بالمتسوقين ومرتادي المطاعم، كانت الحياة عامرة. بتّ ليلتي هناك وأكلت ألذّ سمك في حياتي؛ ثم أوصلني ابن عمتي صباحًا لمرافقيّ حيث المؤتمر، فعرفتهم "ابن عمومتي الذي ألم أره منذ عشرين عامًا"، فاستغربوا، ثم عقّب أحدهم: أنا وابن عمي لم نر بعضنا أيضًا منذ عشرين عامًا .. حسنًا لكن هذا باختيارنا.
في الليلة الثانية تمشينا في حيّ الرمال والسرايا وميناء غزّة وشارع المؤسسات، هذه الأسماء التي كانت خيالًا أو شيئًا دانيه، صرت أمشي بلحمي ودمي فيها، وفي بالي قول القائل "وقد يجمع الله الشتيتين" إيه، والله كنت أظنّ أن لا تلاقيًا. بعض الشوارع مظلمة عن بكرة أبيها رغم حركة الناس فيها، وبعضها تنبض بالحياة والمطاعم والمحلات تمتلأ بالمرتادين، دخلنا أحد المولات الفخمة التي ما كنت لأتخيّل وجود مثلها حتى في الضفة.
أيام كانت تسمح لي الحياة بقراءة شيء غير الطب، أذكر أنه مرّ عليّ شيء يقول أنّ احتمال الموت في السيارة يفوق عدة أضعاف احتمال الموت بالطائرة، غير أنّ الصحافة لا تولى اهتمامًا سوى بالثانية؛ ذلك أنّ ما يهمها هو فرادة الحدث وقل اعتياديّته، أعتقد أنّ هذا جوهر الفرق بين احتلال الضفة بعادية الإقتحامات والمواجهات والإصابات المتفرقة والشهداء الذي يسقطون فرادى مرة كل عدة أيام أو أسابيع، وحصار غزة وقصفها الذي يسقط عددًا وافرًا من الشهداء كل عدة أشهر