25 فبراير 2010

واقع المدرّس .. وواقعنا المؤلم

[شوقي يقول وما درى بمصيبتي ..]
فرغت قبل فترة من قراءة كتاب "من حديث النفس" لـ علي الطنطاوي، وهو مجموعة مقالات نُشرت في المجلات والصّحف أو أحاديثَ ألقاها في الإذاعة رحمه الله. وكان مما استوقفني ملياً كلمةٌ كتبها عام 1955 يقول فيها: "وصار بعض مدرّسي العربية اليومَ أضعفَ من بعض طلاب البكالوريا في تلك الأيّام". يعقّب على هذه الكلمة ناشر الكتاب -وهو حفيده- فيقول: "هذا من نصف قرن فما حالنا اليوم؟ .. اللهم أدركنا برحمتك" !.
ايــه .. اللهمّ أدركنا برحمتك .. أعاد لي هذا الحديث بعض الذكريات التي كانت مصطفّةً في مكانٍ ما بذاكرتي، وليس من قبيل الإجحاف هنا القولُ أنّ الذاكرةَ تعجز عن الإحاطة بهفوات المدرّسين أو سقطاتهم؛ كما أنه من الأهميّةِ بمكان الإشارةُ إلى أنّ أخطاء المدرسين بمعلومات ليس من صميم مادتهم أمر هيّن ولا يُلقى له بال، لكن الواقعَ المرير أسوأ من ذلك بأشواط.

[ مدرس الفيزياء و "الحساب" ]
كان يدرّسنا في المرحلة الثانوية مدرّس فيزياء يترصّد لأخطاء الطلاب "الحسابية البسيطة" ثم يستمتع بالإستهزاء من المخطئين بطريقة تثير الغثيان. وكان من بين المواضيع التي ندرسها ما يسمى (عمــر النصف) للعناصر المشعّة وفي مسائله تكون النتيجة بطبيعة الحال على شاكلة مثل 10.3 سنة. بعض الطلاب كان يقرؤها - ويعتقد أنّها - " عشر سنوات وثلاثة أشهر " (!) كنت أظنّ أن هذا الخطأ من طالب على أبواب المرحلة الجامعيّـة مما يستوجب النكران؛ قبل أن أجد أن أستاذنا صاحب الماجستير يظنّها كذلك أيضاً (!)

[ فاقد الشئ لا يعطيه ]
وإن كان لمدرّس الفيزياء كبوة ولمدرّس التاريخ هفوة .. فواقع "مدرّسي العربية" (بشكل عام وليس كلهم بالتأكيد) عبارة عن كبوات أو ان شئت قل "نكبات".
على سبيل المثال؛ يُعتبر موضوع "الإعراب" أو علم النحْو نقطة ضعف شائعة وعامّة حتى في صفوف كثير من الطلاب "الممتازين" لكنّه - صدقاً - قبل ذلك وسبباً فيه نقطة ضعف عند المعلّمين أنفسهم فأكثرهم "يحفظون" الإعراب حفظاً ولا يفقهون منه غير اسمه ~ ولا حول ولا قوة إلا بالله !

[ ربّ ضارّة نافعة ]
برغم أني لم أكن يوماً ما ممن يجتهدون لتصيّد الأخطاء للمدرّسين، إلا أن المرء يجد نفسه أحياناً مدفوعاً لأن يكون فجأة طرفاً في جدل عقيم، وأحدُها [ حول إعراب "ليس" (!) ] كلّفني علامتين، بيدَ أنّه دفعني - لاحقاً - لأخوضَ في "علم النحو" وأقرأ الكثير من الكتب المختصة بـفنّ "الإعراب".

["صورة" الواقع ]
حسناً أنا لا أحبّ أن أكون سوداوياً والصورة على قتامتها لا تخلو نقاط مُنيرة ومشرّفة، وللإمانة فالكثير من الأساتذة لا يقتصر تأثيرهم على دفتر العلامات بل يتعدّاه الى تكوين شخصيات وتحويل مسار حياتها، ولست أنكر أن للكثير منهم فضل عليّ يتعدّى حدود المدرسة والصف أو المواد المختصّين بها. كما أنّه من الطبيعي ومن سنن الحياة أن يكون هناك مدرّس صالح وآخر طالح. لكنّ مشكلتنا أنّ نسبة هذا إلى ذاك ليست طبيعية كما أن البون بينهما يتّسع باطّراد سلبيّ.

[ عود على بدء ]
لو سألت أيّ طالب حديث التخرّج من الثانوية العامّة لم لا تدخل التخصّص الفلاني، لوجدته يقول لك مستنكراً "لينتهي بي المطاف مدرّساً ؟!".. ثم لا يصبح مدرّسا -في الأعمّ الأغلب- إلا من لم يشفع له مجموع الثانوية ثم ضاقت عليه الأرض بمهنها ! .وهذا عائد أساساً لانحدار "قيمة" المعلّم معنوياً ومادياً ..  ~  "اللهم أدركنا برحمتك" !

3 بصمات:

صــفاء يقول...

لقد ضحكت عند قرائتي للموضوع ولا عجب !
فشرّ البلية ما يضحك !
وتذكرت طائفة من اخطاء المعلمين على مرّ 3 مراحل مدرسية!
واكثر ما فطنت به هو أخطاء مدير مدرستي الاعدادية المتكررة في كل خطاب بلقيه علينا مع كل مناسبة!
فأخطائه في الكلام كانت تعتبر فضيحة لمدير مدرسة له قيمته! والمهم في الامر انه تعلم في معهد للرياضة ليرتقي الى المدير ثم يقضي اوقات فراغه في المدرسة بتعليم أدب عربي قديم فيه من البلاغة ما ليس في غيره!!
وامّا قدراته في القراءة .. فحدّث ولا حرج !
نسأل الله ان يصلح حالنا .. !!
حتى يتسنى لنا الجهر ببيت الشعر " قم للمعلم وفه التبجيلا ** كاد المعلم ان يكون رسولا " !!
وليس قوله ونحن مطأطأي الرأس على معلمينا اليوم!

وجيه الوجيه يقول...

هذه الأخطاء ما زلتُ أجدها عند المعلمين والماحضرين في المرحلة الجامعية، ولكن بشكل أخف قليلاً.

أندلس يقول...

السلام عليكم،

طبعًا كل موضوع يحكي عن المدرسين يجذبني من العنوان، لأنني ببساطه مدرّسة :o

معك حق في الكلمات التي أنهيت بها التدوينه، "ثم لا يصبح مدرّسا -في الأعمّ الأغلب- إلا من لم يشفع له مجموع الثانوية ثم ضاقت عليه الأرض بمهنها "

لكن لو لم تقل (في الأعمّ الأغلب) لكنت أخطأت فهناك معلمون ممتازون يمتهنون مهنة التعليم عن حب وشغف.

إرسال تعليق

اترك بصمة.. و اعلم أن هناك من يقتفي الأثر