في عصرٍ المدوّنات المجانية.. وفي زمن الثقافة الالكترونية.. وفي وقت المعرفة "المُعلّبة".. تلقى صناعة "النقد" - أو بالأحرى ما يسمّونه نقدًا- روجًا واسعًا، وحضوراً كبيراً.. على صفحات المدوّنات والمواقع الاجتماعيّة، بشكل لا يختلف كثيرًا عمّا يحدث في الحياة الحقيقيّة. يعين على ذلك حماسُ الشباب التائق لـ"النهضة" والساعي لها بجدّ، وبغير جدّ أغلب الأحايين!
[قلة احترام، وليس نقدًا]
أذكر بدايةً، ما قاله شيخ بمقتبل عمره في احدى خطب الجمعة في حيّنا، في معرض تفسيره لكلمة النفس في قوله تعالى: "ونفسٍ وما سوّاها"، إذ قال: "وأنا أعيب على جميع المفسّرين اقتصارهم في تفسير كلمة (النفس) على جانبها الخَلقي دون الروحي والنّفسي" قالها -غفر الله لنا وله- بحدّة وعصبيّة!!.. وهو ما شاء الله "يعيب على جميع المفسّرين" !! دونما حياء أو احترام
ولعلّ المفارقة في القصّة أن ما يعتبره شيخنا "العلامة" عيبًا.. أو استدراكًا، إنما هو من وجوه اعجاز القرآن الكريم الذي لا ينقضى انكشاف معانيه للمؤمنين به
[اعتلال في المعايير والمقاييس، وليس نقدًا]
كثير من أولئك الشباب ممن نحن بصددهم، أصبح لا يرى شيئاً رائجاً، إلا ويرى بمجهر مكبّر كلّ مساوئه، وتالياً يبذل جهدًا ووقتًا لمحاربته.
قد يبدو مفهوماً ذلك الهجوم -لا يكون نقدًا غالب الأحيان بل تهجّمًا- إن كان المنقود "باب الحارة" كما لاحظنا مؤخّرًا. بيد أنّ كثيراً من الشباب لم يعد له همٌّ سوى مهاجمة كل ما يمتّ لتوجه اسلامي يخالفه بأقلامٍ مسنونة، وألسنة حداد.
قد يبدو مفهوماً ذلك الهجوم -لا يكون نقدًا غالب الأحيان بل تهجّمًا- إن كان المنقود "باب الحارة" كما لاحظنا مؤخّرًا. بيد أنّ كثيراً من الشباب لم يعد له همٌّ سوى مهاجمة كل ما يمتّ لتوجه اسلامي يخالفه بأقلامٍ مسنونة، وألسنة حداد.
- ففي الوقت الذي يُهاجم الاسلام هجوماً صهيونيّا ضاريًا، يرى البعض أن أولويّة المسلمين محاربة "الشيعة" ومن دار في فُلكهم
- وفي الوقت الذي تزخر فيه أقمار العرب الصناعية بالقنوات الاباحيّة التي تُسمّى بـالفيديو كليب، يرى الشباب الثائر أن الأولويّة لنقد طيور الجنّة وما لفّ لفيفَها
- وفي الوقت الذي تعود فيه المطامع الصليبيّة نحو شرقنا، يرى البعض أنّ الأولويّة لتفنيد أراء القائلين بعدم وجوب "النقاب". ويفسّقون، أو يكفّرون إن شاءوا، من يسمع موسيقى ويقول أنّها ليست حرامًا.
وهكذا.. تتبعثر الأولويّات، وتضيع البوصلة، وكما يقول الشيخ محمّد الغزالي: "التديّن الأبله ينتشر الآن بقوة.. والمراد منه افساد الصحوة، وأن يجعل من ارتداء النقاب، وتقصير الثوب قضايا مصير".
["هم رجال ونحن رجال"]
أمّا المصيبة، بل الطامّة الكبرى، أن هؤلاء المتصدّرين للتنظير والنقد، تراهم يتكلمون ويكتبون بأكثر ممّا قد قرأوا طيلة حياتهم؛ فيفتقر نقدُهم لأدنى منهج علميّ مقبول، فيكون من الطبيعي أن ينقلب حماسُهم هوجاً، وغيرتهم رعونةً.. ثمّ تراهم بعد ذلك يقولون "هم رجال ونحنُ رجال"
[نعم للنقد]
أنا -قطعًا- لست ضدّ النقد.. فأنا، على نحوٍ ما، أمارسه في تدوينتي هذه!.. أمّا ما أرفضه فهو النقد المفتقر لآداب النقد وضوابطه، أرفض النقد الذي ينشغل بالفروع المختَلَف عليها وينسى الأصول المتّفق عليها، أرفض النقد الذي يُكبّر المساوئ، أرفض النقد الذي لا يكون نصحًا باللين إنّما تهجّمًا، أرفض النقد لأجل النقد..
أمّا النقد في ذاته فهو، بلا شكّ، ضرورة للرقيّ والتقدم، عندما يكون "نقدا" بحقّ.. فسيكون دعامة من أجل "النهضة" أو الصحوة المنشودة
5 بصمات:
بكلماتك " ضربت على الوتر الحسّاس " !
ربما اكون انا اول من ينتقدون بشكل استفزازي ولا عمل لي الا الانتقاد ،، -ربما- ،، فأنا لا ارى عيوبي وأسأل الله يهديني ويرشدني الى الطريق الصواب .
لكنك محق جداً في كلامك فهذا حالنا اليوم ، لا نبحث عن نقاط الاشتراك بل ننقب عن نقاط الاختلاف فيما بيننا وما في امتنا ! مشكلة يجب ان نحلها جذرياً ونتفرغ لما هو اهمّ ولما يصب في مصلحة الامة وليس ما يؤدي الى تفرقها !
خنقنا الدين من جانب ومن جانب آخر لم نسأله فيما يقول !
اللهم اهدنا واعنا على السير في الطريق المستقيم !
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعجبني الموضوع رغم بأنّني أختلف معك في كثير من النّقاط، فأنا وقبل بدايتي مع التّدوين كنت أعتقد بأنّ هناك أسود وأبيض فقط! لكن أيضاً هناك رماديّ، وهناك آراء نختلف نحن المسلمون عليها، لكنّنا في نفس الوقت لا نزال نحمل قيم ومبادىء مشتركة، لك رأيك ولي رأيي، المهم أن يحترم الواحد منّا رأي الآخر وأن لا يتعدّى حكم الشّريعة الإسلاميّة، أمّا رأيي فهو بأن نكتب عن الأمور المصيريّة وليس من الخطا أن نكتب أيضاً عن أمور أخرى تعتبر "هامشيّة" أمامها، وربّما أنت ترى هذا الموضوع موضوع هامشي أو غير مهم وأنا أراه عكس ذلك، هنا يظهر الموقف والتّوجّه الخاص لكلّ منّا.
تقبّل مروري..
تختلف الأولويات من شخص لأخر
فالبعض المطامع الصليبية لاتهمهم بقدر متهمه مسألة النقاب
رغم ذلك يغيضني هذا النوع من النقد
أشكرك على المقال الجميل
اليوم لم يعد شغل النقاد الشاغل قضايا الامة بل أصبحوا يلهثون وراء توافه الامور,
متى ينتهي تضارب الاراء؟ وتلتف الناس حول فكر واحد وتختزل جميع القضايا الجسام في قضية واحدة مركزية؟
ربما حتى يغيروا ما بانفسهم!!!
جزاك الله خيرا .
الأخت صفاء ،،
أهلاً بك،
شكرًا للمداخلة الطيّبة، وكما قال الشيخ محمد رشيد رضا :"نتعاون فيما اتفقنا عليه، ونعذر بعضنا فيما اختلفنا عليه"
وقد اعتبر الشيخ حسن البنّا هذه المقولة قاعدةً له في العمل الإسلامي، رحمهما الله.
الأخت مريم ،،
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
لست أخالفك في موضوع التحدّث في الأمور الهامشية، حتّى لو كانت تافهة، لكن بشرط أن يكون ذلك ضمن أدب النقد والنّصيحة، وبشرط ألا يؤدّي ذلك، أو يأتي قبله، تعسّف في الأحكام، وتضييع لنقاط الاتفاق
حيّاكم الله.
الأخت متطوّعة ،،
أهلاً بك
أشكرك على المرور والمداخلة
الأخت حرّة من البلاد..! ،،
نرجو أن يكون ذلك التغيير عاجلاً غير آجل، ان شاء الله
بوركتم
إرسال تعليق
اترك بصمة.. و اعلم أن هناك من يقتفي الأثر