6 نوفمبر 2010

نـعـمـةُ الألـم!

[أغرب الحالات الطبّيّة 1]
- أليس غريبًا هذا العنوان الذي اخترته "نعمة الألم" ؟
حسنًا.. ماذا سيكون شعورك لو سمعت أمّاً تقول: "إنّنا على استعداد لدفع كل ما نملك لكي تشعر ابنتنا بالألم.. نريدها من أعماقنا أن تتألم" ؟
هذا حرفيًّا ما قالته والدة "آشلين"!!

[الملاك آشلين]
الطفلة آشلين
وُلدت الطفلة (أشلين)، ويا لسعادة الوالدين.. لم يحظيا فقط بعاطفة الأبوّة، وإنّما رُزقا بطفلة ليست ككلِّ الأطفال، فهي هادئة فوق ما قد يُرجى من الأطفال الهادئين، لا تعكّر صفو الجوّ بالبكاء، وتنام ليلها ملئ الأجفان..
كان رضا الوالدين فوق الوصف. إنّها الملاك أشلين.. (أو هكذا اعتقد والداها!)

ولكنّ ذلك الهدوء أصبح مريبًا عندما انتفخت عين أشلين اليسرى بعد عدّة أشهر من الولادة، ولم تُبد أيّاً من علامات "الألم"..
أخذ الوالدان طفلتهما للمشفى فوجد طبيب العيون ضررًا بالغًا في قرنيّة العين، أمّا الصدمة فكانت إشارته إلى أنّ مثل هذا الإصابة تُسبّب آلامًا مبرّحة لا يملك معها حتّى البالغون إلاّ الصراخ، في الوقت الذي كانت فيه آشلين تبتسم للطبيب!

[اللاإحساس الخَلقي بالألم مع عدم التعرّق CIBA]
كانت الطفلة آشلين تعاني من حالة مرضيّة نادرة جدّاً تُسمّى طبّيّاً بـ (Congenital Insensitivity to Pain with Anhidrosis) ما يُمكن ترجمته بالعربيّة إلى اللاإحساس الخَلقي بالألم مع عدم التعرّق، ويطلق عليه اختصارًا CIPA.

سيبا أو CIPA مرض وراثي نادر جدّاً (حسب الاحصائيات: 17 مصاب به في الولايات المتحدّة البالغ عدد سكّانها أكثر من 300 مليون) يصيب الجهاز العصبي، ناتج عن طفرة جينيّة تعطّل نموّ الألياف العصبيّة المسؤولة عن نقل الاحساس الخاصّ بالألم والحرارة والبرودة إلى الدماغ* كما أنّ جسم المصاب لا يتعرّق، وهذا ما قد يُنهي حياة المصاب مبكّرًا كما سيأتي.. وما دام هذا الداء بلا دواء، فإنّ المصابين به لن يعرفوا طيلةَ حياتهم ما الذي تعنيه كلمة "الألم"!


[رحمة باطنها العذاب]
كثير من النّاس قد يظنّون أنّ الحياة بدون ألم ستكون رائعة.. في حين أنّ "الألم" على قدر غايةٍ من الأهميّة وأساسيّ من أجل صحّة الانسان وحياته، فهو اللغة التي يستخدمها الجسد لكي يخبر أدمغتنا أنّ شيئًا ما يحدث في الجسم بحاجة للاصلاح، أو أنّنا تعرّضنا لاصابة وجرح بحاجة للعلاج..
وهنا تكمن صعوبة التعايش مع هذا المرض؛ فالمصابون بـ "سيبا" لأنّهم لا يتألّمون لا يدرون بما يصيب أجسامهم من علل، وما لم تكن الاصابة ظاهرة لا يعلمون عنها شيئًا، ولذلك يحتاجون بشكل دوريّ لتفقّد أجسامهم لئلا تكون في حالة تحتاج "للاصلاح"، فقد يصابون بكسر لا يُكشف في حالتهم إلا بواسطة صورة الأشعّة، أو نزيف داخلي لن يدروا به إلا عن طريق الفحص الطبّي.

 ولأنّهم لا يشعرون بالألم والارهاق، فقد يستخدمون عظامهم ومفاصلهم بأكثر من قدرتها على التحمّل؛ فيتعرّضون للكسور والاصابات المتكرّرة..
فضلاً عن أنّه لا يمكنهم الشعور بألم الجوع أو العطش؛ لذا لا يتلقّون تنبيهًا بحاجة أجسادهم للطعام والشراب.. فيتوجّب عليهم الاعتماد على نظام من "التوقيت".
لا يمتلك المصابون بـ سيبا غددًا دمعيّة.. فلا يمكنهم التعبير عن "آلامهم النّفسيّة" بالبكاء!

ومن جهة أخرى فإن عدم احساسهم بدرجات الحرارة يحول دون تمكين أجسادهم من تنظيم درجة الحرارة عن طريق التعرّق، يؤدي ذلك إلى ارتفاع درجة حرارة الجسم. وللحرارة الزائدة أضرار خطيرة على الجسم قد تؤدي إلى تلف الدماغ والموت (- يتخلّص الجسم السليم من الحرارة الزائدة بواسطة العرق) لذا عليهم المحافظة على أنفسم من التعرّض الطويل لأشعة الشمس، والبقاء في درجات حرارة مناسبة للجسم، وإبقاء الثلج -احتياطًا- قريبًا منهم.

وبسبب عدم التعرّق وتأثيره على الجسم؛ غالبًا لا يتجاوز المصاب بهذا المرض الثلاثة أعوام الأولى من حياته، وإن تجاوزها فلا يصل إلى عمر  25 في معظم الحالات.


--
*لا يفقد المصاب الاحساس كلّيّاً، إذ يمنكه لمس وتمييز سطوح الموادّ، ويمكنه الشعور بالضغط على جسده، لأنّ هذه الأحاسيس تنقلها أنواع أخرى من الأعصاب..
تصوّر مثلاً لو أنّ سكّينًا أو آلة حادّة أصابت مصابًا بالمرض؛ سيشعر بشيء لامس جسده ويدركه بدون النّظر إليه لكنّ الجرح الناتج عن ذلك أو اندلاق الدم لن يسبّب له أيّ انزعاج أو "شعور غير سارّ" (كما في التعريف  الطبّي للألم).. وكذلك يشعر حامل المرض بالماء إن لامس جسده ولكن لا يدرك فيما إذا كانت حرارته حارقة أو لا.
[المصادر]

8 بصمات:

غير معرف يقول...

CI(P)A!

أمينة سمير يقول...

لا اله الا الله
قرأت عن نعمة الألم في مجلة ماجد وأنا صغيرة ولكن ليس بهذا التفصيل الممتع
جزاك الله خيرا

رحـيقٌ مخـتُوم ~ تسنيم / يقول...

الحمدُ لله الذي عافانا مما ابتلى به كثيرا من عباده

بارك الله في جُهودك؛

مَريم عبد الحكيم يقول...

سبحان الله!

حمداً لله على تلك النّعم :)

جزاك الله خيراً أخي محمّد

~

هناء جواد . يقول...

آلله أكبر !

آلحمدلله ربِ العالمين ْ } . .

غاية ٌ في الألم و العجب هذا الموضوع } . .

باركَ آلله فيك ْ } . .

[ شُروقْ ~ يقول...

للموضوع أبعاد أخرى .. أكثر من مجرد مرض !

بوركت جهودكمـ؛

Dros4U يقول...

السلام عليكمـ

سبحان الله ،،

حتى الألم نعمة من ربنا ،، سبحانك ري ،،

اللهمـ لك الحمد ،،

شكرا لك أخ محمد :)

غير معرف يقول...

Thank you

إرسال تعليق

اترك بصمة.. و اعلم أن هناك من يقتفي الأثر