[... كالهرِّ يحكي انتفاخًا صولةَ الأسدِ!!]
لأنّنا -نحن العرب- نعاني من فائض في المنظّرين والمفكّرين والنهضويين.. يصولون و"ينتفضون" في ساحات القلم والكي-بوردات، وبناءً على وجه النظر التي أسلفت ذكرها في مكانٍ ما، فإنّي لا أودّ الخوض في تحليل ما جرى في مصر، أو تونس من قبلها، ولا أودّ الردّ على بعض التحليلات التي جرى الحديث كثيرًا فيها. أقول فقط أنّ أكثر ما أسعدني في الانتفاضتين المذكورتين أنّهما كانتا شعبيّتان بامتياز، وبريئتان في أصليهما من كلِّ التوجيهات الذي يرعد ويزبد ليلَ نهار بها "السياسيّون" و"المفكّرون" و"المحلّلون" ومن يعتقدون أنّهم كذلك.
من واقع في وجودي في مصر سأكتفي برواية أحداثٍ عايشتها، والتعليق على ظروف جرت في محيطي.
[جيل الفيس بوك]
البداية -كالعادة- كانت من خلال دعوة فيس-بوكيّة للتظاهر والاحتجاج، مثل هذه الدعوات أصبحت دوريّة ومعتادة في مصر منذ طفرة المواقع الاجتماعية قبل سنوات عدّة (وقد نذكر هنا فيلم "رامي الاعتصامي" الذي ناقش هذه الظاهرة بشكل ساخر وسطحيّ). لذلك لم يعوّل الكثيرون على ما ستحمله ولم يرتجوا منها تغييرًا منشودًا. ربّما حتّى بعضُ المتحمّسين لها.. المختلف هذه المرّة أنّ أولئك الشباب كانوا مشحونين ببريق أمل لاح لهم من دولة تقع على مرمى أخوّة منهم، أثبت لهم أن "الشعوب إذا هبّت ستنتصر".
كان من الطبيعيّ بعد ذلك أن تقوم "السلطات" بحجب موقع تويتر يوم 25/1، تبعه حجب للفيس بوك يوم الخميس 27/1
كثيرًا ما سمعت أنّ حجب المواقع يمكن بسهولة تجاوزه. ولم يحدث من قبل أن وجدت ما يضطرني لاستخدام طرق تجاوز الحجب أو حتّى تعلّمها، سواء في فلسطين أو مصر (قبل هذه المرّة). دلّني صديق على كيفية تخطّي الحجب وأصبح ممكنًا لي الدخول للمواقع التي يُفترض أنّها محجوبة عنّي. لكنّه دخولٌ كان يقتصر على "القراءة فقط"؛ بمعنى أنّه لم يكن يمكن أن أقوم بمشاركة تغريدة على موقع تويتر، أو ترك "لايك" أو "كومينت" على موقع الفيس بوك. (ولست متأكّدًا إن كان ذلك أقصى ما يُمكن، أو أنّي لم أفلح في التخطّى التامّ للحجب!)
وعلى ما يبدو أنّه تلافٍ لتلك الوسائل في تجاوز الحجب، تمّ قطع الاتصال بشبكة الانترنت كليّاً عن مصر مساء يوم الخميس، ثمّ فوجئنا صبيحة اليوم التالي بقطع البثّ عن جميع شبكات المحمول، قطع البثّ استمرّ حتّى صبيحة السبت، فيما امتدّ الانقطاع الكامل لشبكة الانترنت حتّى الأربعاء 2/2 (قطع خدمة الـ SMS عن شبكات المحمول لازال ساريًا!!)
وأصبح الاعتماد في الاتصال مع العالم الخارجي يقتصر على الفضائيات. ولأنّي لا أودّ الدخول في تحليلات من جهة، بالاضافة إلى أنّ تغطيات الوسائل الاعلامية لم يطرأ عليها جديد في أسلوب تعاملها مع الأحداث من جهة أخرى، لن أعلّق على تغطيات وسائل الاعلام وكيفيّة تعاملها مع الأحداث، وأكتفي بذكر العنوان الرئيسي (الظريف) لجريدة الأهرام يوم الجمعة
"الرئيس مبارك يتصل بمحافظ السويس للاطمئنان على المواطنين" :]
يوم السبت 29/1 كان اليوم الأول في إجازة منتصف العام؛ فلم يكن من سبب يدعوني لمغادرة البيت سوى معرض القاهرة للكتاب، الذي تأجّل.. لتتأجل معه "مخطّطاتي" للعام القام، ويمتدّ انتظاري له عامًا آخر!
(بدون تعليق~ عطلة مميّزة :/)
[في مهبِّ الانتفاضات!!]
(بدون تعليق~ عطلة مميّزة :/)
[في مهبِّ الانتفاضات!!]
ميدان التحرير |
"مظاهرات"، "غاز مسيل للدموع"، "حظر التجوّل" & انقطاع الاتصالات.. مفرداتٌ أنعشت لي ذكرياتِ الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وأيّامَ الاجتياحات التي عايشتها قبل عدّة سنوات.
كنت -ولا زلت- أعتقد أن ما يحدث في مصر، مهما بلغ من سخونة، لن يصل للدرجة التي كانت عليها أيّام الاقتحامات والقصف وتفجير المنازل (أذكر أنّ واحدًا منها سبّب لي موقف "رعب" ظلّ منقوشًا في ذاكرتي!).. ولم أتصوّر أنّ أيّامها قد تناظر في طولها أوظروفها حصار الأربعين يوم (المعروف إعلاميّاً بحصار كنيسة المهد)، كنت أفترض أن تلك الأحداث تعطي من تواجد في مسرحها مناعةً ضدّ أيّ هاجس قلق أو خوف لأحداث لاحقة قد تطرأ.
بدأت الأحدث فيما بعد -بشكل سلبيّ وغير متوقّع- تتطور ليلة السبت 29/1 عندما بدأنا بسماع أخبار عن "عصابات" سلب ونهب وتخريب، أعقبه نداءٌ عبر سماعات المساجد للشباب تدعو للخروج لحماية الأحياء، سهر كثيرون من الشباب طيلة الليل في الشوارع متسلّحين بالعصيّ تحسّبًا لأيّ جديد. وتكرّرت ذات الدعوات في المساءات التالية. سمعت من الأصدقاء عن بعض أحداث نهب وسلب في الشوارع الرئيسية، وكان يتناهي لسمعي بين الحين والآخر صوت إطلاق نار بيد أنّي لم أر على مدِّ بصري أحداث تخريب بشكل مباشر. التعامل الشعبي مع الأحداث كان على قدر مثير للإعجاب من التنظيم.
[في الغربة]
الخوف حالة معدية، يكفي لأحد الشباب أن يقول أنّه سيستغل أيّ فرصة لمغادرة مصر، حتّى ترتسم ملامح الخوف على وجوه الآخرين، بعض الشباب بدؤوا بالتحسّر لعدم استغلال فرصة سابقة العودة، والتوجّس ممّا تحمل الأيام. بعض الأهل يبثّون الخوف بطريقتهم في الاطمئنان على أبنائهم! مساء الاثنين قُطعت الطرق المؤدية للقاهرة تحسّبًا للمظاهرة المليونية، وتعطّلت حركة القطارات في أرجاء مصر، وكانت شركات الطيران قد أجّلت كثيرًا من الرحلات بسبب الحظر الممتدّ للتجوّل.
بعد مظاهرة يوم الثلاثاء 1/2 المليونية، تردّدت شائعات بأنّه سيُعاد قطع الارسال عن شبكات المحمول، وبدا أنّ النظام متشبّثٌ بكراسيه، والمتظاهرون يزدادون تمسّكًا بطموحاتهم. بعض الطلبة الفلسطينيين تدبّروا أمرهم وعقدوا العزم على مغادرة مصر في اليوم أو اليومين التاليين، وهو ما لم يكن ممكنًا بالنّسبة لي؛ لأنّي قبل أيّام فحسب أرسلت جواز سفري للتجديد(!).. في ظلّ ذلك بدأ يتسرّب إلى نفسي الضجر من هذه الحال العالقة، وصرت أشعر بالدوار من متابعة الأخبار.
خلال هذه الأيّام، وما تلاها، كانت الحياة في النهار هادئة نوعًا ما، المحلات تفتح بشكل شبه طبيعي في النّهار، لم يحدث ارتفاع -يُذكر- في الأسعار، المحلاّت كانت تقفل قبل أن تهبط ساعات المغرب، وفي الليل كان الكلّ يمشي في الشارع حاملا إمّا عصا أو أداة حادّة خوفًا من هجمات لجماعات السلب. رغم ذلك لم تتنشر الفوضى، ولم يدبّ الذعر لدى الأهالي، التعامل مع الأحداث على مستوى المواطنين كان أكثر من راقٍ ومثاليّ. مجموعات الشباب التي تحرس الأحياء صارت تزجي وقتها ليلاً بلعب "الكورة".
لم أجد في أيٍّ من الأوقات ما يدعو للقلق، ربّما أحيانًا قليلٌ من التخوّف ممّا قد تحمل الأيّام.. وكان يطرد ذلك شعورٌ "بالزهوّ" أن هيّأت لي الأقدارُ التواجدَ في مصر خلال هذه "الحقبة"!.
الحياة الآن بدأت تعود إلى وضعها شبه الطبيعي باستثاء أوقات المظاهرات، مع العلم أنّ المناطق تتباين في حدّةِ أحداثها.
الحياة الآن بدأت تعود إلى وضعها شبه الطبيعي باستثاء أوقات المظاهرات، مع العلم أنّ المناطق تتباين في حدّةِ أحداثها.
[قابل للتحديث، أو المتابعة]
4 بصمات:
دون تطرّق لأي ظاهرة ممّا ذكر أعلاه
تقديم مميّز !
* طرأ تحديث منذ النشر الأول للتدوينة
- ولم يُذكر تنويه آنذاك -
أرى انه يتوجب المُتابعه :)
/ مُتابعة
معذرةً لأنّي لم أفهم المقصود بـ التحديث الذي طرأ؛ حيث ان النشر الأول ما زال "جديدًا"..
يبقى مجال التحديث مفتوحًا - لاحقًا - او ان استجدّت أحداث من الممكن إضافة تدوينة أخرى
--
نودّ -من فضلكم- لو أن التعليقات ليست بمسمّى "غير معرّف" :)
تسرّنا متابعتكم
بالنسبة لأي فلسطيني, فالوضع السياسي المتوتر و الأحداث الدامية ليست بجديدة, إنما الغربة هي من تصنع حدة الموقف لديه
كثيرة هي النقاط التي تعرضت إليها في سردك لأحداث إجازتك..و كثيرة هي الدروس التي يمكن أن تستقى من أيّها,,
بالتوفيق:(
الأخت ريم العيلة ،،
صحيح ما ذكرت :)
والحمد لله.
سعيد بمرورك
إرسال تعليق
اترك بصمة.. و اعلم أن هناك من يقتفي الأثر