[في الأدب الاسلامي]
كنت قد أبديت رأيي سابقًا في رواية دموع على سفوح المجد (وهي أوّل عمل أدبي اسلامي أقرأه) قلت أنّ الرواية وإن كانت رائعة إلا أنّ بعض احداثها كانت ساذجة نوعًا ما، وأنّ بعض الأفكار التي أراد الكاتب ان يوصلها للقارئ قد عرضها بأسلوب وعظيّ وغير محبوكٍ من ناحية أدبية.
على أيّة حال، شجعتني تلك الرواية لقراءة أعمال اسلامية أخرى.. إلا أنّ تلك الأعمال الأخرى جعلتني أغيّر رأيي بشكل ما في الرواية المذكورة لأعتبرها عملاً متميّزاً جداً ومتمكّنًا!!
أتحدّث في هذه التدوينة عن واحد من "الأعمال الأخرى": رواية عرسنا في الجنّة / للبناني عزّام حدبا.
[صفر من المنطقيّة]
قد يكون مقبولاً أن يبتعد الكاتب قليلاً عن الواقعيّة من أجل أن يستعين بذلك على عرض أفكاره وإيصال أهدافه النبيلة من عمله الأدبي.. بيد أنّه من غير المقبول أنّ يفتقر العمل في (كلِّ) جزئيّاته للحدِّ الأدنى من المنطقيّة، تجلّى هذا الضعف في عدّة نقاط كانت لافتةً للانتباه:
- عبير (بطلة العمل) عندما تشعر بـ "انجذاب" نحو أسامة، فإنّها تبوح بشعورها ذلك لوالدها!!
وإن كانت خبرتي في هذه الحياة قليلة وفي جنس حواء أقلّ فإنّي لا أتصوّر أنّ أيّ فتاة، مهما بلغت من جرأة أو تحرّر، قد تبوح بمثل هذا الشعور لوالدها، ناهيك عن أن تناقشه فيه ويناقشها فيه!! (والفتاة في العمل محجّبة ومثقّفة!) كان سيكون أكثر قبولاً لو أنّ الحديث جرى بين الفتاة وصديقة لها مثلاً.. أو حتى لولدتها!
وإن كانت خبرتي في هذه الحياة قليلة وفي جنس حواء أقلّ فإنّي لا أتصوّر أنّ أيّ فتاة، مهما بلغت من جرأة أو تحرّر، قد تبوح بمثل هذا الشعور لوالدها، ناهيك عن أن تناقشه فيه ويناقشها فيه!! (والفتاة في العمل محجّبة ومثقّفة!) كان سيكون أكثر قبولاً لو أنّ الحديث جرى بين الفتاة وصديقة لها مثلاً.. أو حتى لولدتها!
وقصّة الحب بين عبير وأسامة لم تكن أحداثها واضحة للقارئ، ما بين اعجاب عبير في بداية الرواية باسامة إلى أن ينتهي بنا المطاف في نهاية الرواية وهي تحقد على إسمه.. لا رابطَ ممهّداً لتلك الأحداث يجري في المنتصف! (والحال بالعكس بالنسبة لأسامة)
أمّا قصّة زواج عبير بحسام، ثمّ وصيّته لها بأن تتزوّج أسامة إن استشهد، فلا أودّ مجرّد التعليق عليها!!
- أسامة (بطل العمل) يشنّ حربًا نفسيّة ومقاطعة ضدّ صديقه قاسم لأنه رآه يتحدث في موقف واحد مع فتاة.
حاول الكاتب أن يفسّر ردّة الفعل المبالغ بها وغير المنطقية من أسامة، وقد يكون ذلك مقبولاً منه. امّا غير المقبول أنّ ذات الأسامة لم يستطع أن يفرض الحجاب على أخته!
حاول الكاتب أن يفسّر ردّة الفعل المبالغ بها وغير المنطقية من أسامة، وقد يكون ذلك مقبولاً منه. امّا غير المقبول أنّ ذات الأسامة لم يستطع أن يفرض الحجاب على أخته!
- حاول الكاتب بشكل غير موفّق أن يحاكي قصة سيدنا يوسف في أحداث أسامة ونيرفانا.
أظنّ أنّ الغاية من مثل هذا العمل الأدبي هو مخاطبة عقول الشباب بما يلامس واقعهم، وليس بإسقاط شديد التكلّف لقصّة "نبوية".
أظنّ أنّ الغاية من مثل هذا العمل الأدبي هو مخاطبة عقول الشباب بما يلامس واقعهم، وليس بإسقاط شديد التكلّف لقصّة "نبوية".
بشكل عام (وفي ما ذكرت عيّنة فقط!) أعتقد أنّ الجانب الاجتماعي في الرواية لم يكن مقبولاً بتاتًا؛ شخصيّات وأحداث مهلهلة يعوزها الترابط الموضوعي والمقنع. ولولا تقديري للنيّة من هذا العمل لقلت أنّ الكاتب لا يحترم عقل القارئ! ولا أظنّني أجحفت شيئًا بحقّ العمل في تقييمي لهذا الجانب منه.
من ناحية أخرى كان تصوير الحرب الأهليّة اللبنانية -المحور الاساسي في العمل- موفّقًا نوعًا ما. نجح الكاتب في توصيل فكرة أنّ الحرب في أساسها لم تكن طائفيّة إنما استغلال من أمراء الحرب لعامّة الشعب من خلال إذكاء الفتن الطائفية.
من ناحية أخرى كان تصوير الحرب الأهليّة اللبنانية -المحور الاساسي في العمل- موفّقًا نوعًا ما. نجح الكاتب في توصيل فكرة أنّ الحرب في أساسها لم تكن طائفيّة إنما استغلال من أمراء الحرب لعامّة الشعب من خلال إذكاء الفتن الطائفية.
[من ناحية لغوية]
"الا ان الحرب سرت رويدا رويدا في البلاد كلها كالنار تنتشر في الهشيم"
استوقفتني مليّاً هذه العبارة التي تضع الكاتب في وضعٍ لا يُحسد عليه!.. لا أعرف كيف لي أن أحكم على المقدرة اللغوية لشخص يرتكب مثل هذا الخطأ!
بغضّ النظر عن هذا الخطأ غير المقبول، الرواية ضعيفة من الناحيتين اللغويّة والأدبيّة.
11 بصمات:
أأسف أن أسألك وأنا عربية أن توضح لنا الخطأ اللغوي في الجملة التي ذكرتها :
"الا ان الحرب سرت رويدا رويدا في البلاد كلها كالنار تنتشر في الهشيم" ؟
الأخت كمونة
أهلا بك ،،
هو ليس خطأً لغويّاً، ولكنّه خطأ في المعنى !
فالتعبير "رويدًا رويدًا" يدل على التمهّل في زمن وبطئه
أمّا "كالنّار تنتشر في الهشيم" فهي كناية عن السرعة الشديدة.
وقد لا يعني شيئًا أن لا يعرف معناها شخص متوسّط المعرفة اللغوية، ولكن استخدام كاتب للمصطلح في غير موضعه يطرح أسئلة أقلّها حدّة (ألا يفهم هذا الروائيّ ما يكتب ؟؟!!)
السؤال كيف استطعت قراءة عمل كهذا ؟ :\
وبالنسبة للتعبير الأخير فهو سيء للغاية . وسأحيطك علماً أن العديد ممن يكتبون حالياً وخصوصاً الجيل الجديد يستخدمون عبارات وتشبيهات غير متسقة، بمعنى أنهم يُركِّبون الكلام لأجل أن يكوِّن جملة فقط لا غير . ولأن الجيل الجديد أيضاً لا يقرأ وفقير لغوياً فهو يرى كل تلك الخرابيش على أنها روائع وأدبيات يجب أن تخلد .. للأسف !
لما رأيت عنوان موضوعكم , ظننت ان هناك رواية جديدة سأباشر في قراءتها بعد "سقف الكفاية" .. ما ظننته نقداً كهذا !!
جميل ان يكون بمقابل:"انصحك بالقراءة" , موضوع " ابتعد عن هذه الرواية" ..
أحببت اسلوبكم في النقد وملاحظتكم على الرواية من الناحية اللغوية ..
أنتظر موضوع : " انصحك بالقراءة " :)
كوفيّة ،،
سؤالك الأوّل صعب :)
وأقف بإعجاب شديد أمام إضافتك.. شكرًا جزيلاً لك
--
شُروق ،،
أهلاً بك
بخصوص "أنصحك بالقراءة"
فهناك رواية (دموع على سفوح المجد) والتي أشرت إليها في مقدّمة هذه التدوينة، رواية جميلة وقصيرة- الرابط موجود بالأعلى ^^
نقد "لاذع" :)
حُييتْ
بصراحة لم تستهوِ نفسي الروايات إطلاقا،، وإن كان من فائدة ترتجى عبر رواية أدبية،، فأفضل قراءة التاريخ عن قراءة الأدب
لا أدرِ إن كان هذا فيّ عيبٌ أو ميزة!
حُييتَ مجددا
الأخت آية ،،
سعدت بمرورك
رأيي كان من رأيك، قراءتي في الروايات قليلة، بالتأكيد من الأفضل للقارئ الباحث عن المعرفة أن ينشغل بكتب التاريخ والفكر.
لكن بالنسبة لي أحب الأدب، وأهتمّ بالكتابة، فقراءة الروايات تفيدني في هذا الجانب.
أوافق -وبعد تجربة- على نصيحة د. طارق السويدان بأن يخصص القارئ نسبة لا تتجاوز 20% من مجمل قراءاته للروايات.
صفعتني التدوينةِ لأسباب عديدةِ:
أولاً/ لأنني لم أنتبهُ إلى هذهِ الأشياء عندما قرأت الروايةِ بل آنغمست في عواطفها وتأثرت بها بلا مشاركة من جانبِي العقلي إلا قليلاً،
ثانياً/ هذا النّقد الأدبي الرائع، الذّي راق لِي.
نهايةً، تبقى روايةً لاقت رواجاً بين فئة الشباب، وهي أفضل من سابقاتٍ لها في عالم الرواية، ونأمل أن نجد في ذات المحور روايات فيها جانب عقلانِي يحاور الواقع لا يتصارع معهِ !
بآنتظار جديد نقدكَ،
آستمر بقوةٍ :) !
شكرا أخي على التوضيح..
ماشاء الله ملاحظة دقيقة ..
وقد سألتك ما الخطأ اللغوي في تلك الجملة لأنك كتبت قبلها " { من ناحية لغوية } " !
نقد هادف
لم أقرأ الرواية هذه لكنني قرأت رواية دموع على سفوح المجد..
لم تعترضني معضلة في العواطف لكن اعترضتني فكرة في الفكر،،لابد ان تكون الفئة المستهدفة في هكذا روايات ذو أفق أبعد من مستوى الرواية الفكري،، فحين يستهدف الكاتب تلك الشريحة المنغمسة في الشهوات..لابأس..لكنه سيفتح عليها باب أحلام آخر قد يصبح واقعا وقد لا..
هكذا روايات لابد أن تكون واقعية بحتة لأن القصور الفكري غالب على الوعي الفكري
أستغل فرصة الرد لأحييكم على مدونتكم الراقية
بارك الله فيكم
الأخت Ansam ،،
نقطتك وجيهة، وإن لم أتّفق معها تمامًا؛ فلا أرى مانعًا من أن تبتعد الرواية قليلاً عن الواقع (من أجل التيسير على الراوي ايصال أفكاره مثلاً) لكن ضمن حدود مقبولة تحترم فكر القارئ وحاله.
على أيّة الحال، الأدب الاسلامي ما زال ناشئًا، نسأل الله أن ييسّر له أصحاب أقلام قويّة تصل به مرحلة "النضج" والتميّز الذي يتيح له القدرة على أن يرسّخ وجوده.
جُزيتم خيرًا
إرسال تعليق
اترك بصمة.. و اعلم أن هناك من يقتفي الأثر