6 مارس 2017

الخطاب الوعظي مشوّهًا الفطرة


من أكثر الأمور غرابة ولا منطقيّة في كلام المتدينين المتحمّسين والوعّاظ الجدد اظهار استغرابهم الشديد واستنكارهم الفظيع لطرق تمتّع الكفّار بحياتهم. فما أكثر ما ترى المتديّنة تقول: "اوه يا ربي، كيف ترضى المتبرجة أن تعرض نفسها وجمالها وفتنتها لغير محارمها؟"، أو ترى الواعظ يتحدث عن الحرية الجنسيّة، مثلًا، عند الغرب فيظهر التقزز والنفور ويتساءل: "كيف يهنأ الشباب لما يشبعون شهواتهم من غير عقد الزواج "المقدس"؟ أو مع أفراد متعدّدين. يلازم هذا الخطاب تصوير أنّ من يؤمنون أو يلتزمون يجدون الإستقرار الروحي والراحة النفسية التي ليس لها مثيل.

هذا خطاب فاسد، وكلامهم أبعد عن الفطرة السوية من تصرفات الكفّار. لا أدري كيف لا ينتبهون أن خطابهم يعني أنّهم لا يدركون معنى الشريعة نفسها وسبب وجودها الأساس، يعني ببساطة لو كان هوى النفس يتماشى مع الأوامر الإلهيّة لما وجدت فكرة جهاد النفس ومخالفة الهوى. كيف يعقل أنّ تكون جنة عرضها السماوات والأرض جزاءً على أعمال يجد فيها المرء راحته وهوى نفسه؟

الشريعة تهذّب الهوى حينًا وتدعو لمخالفته أحيانًا أكثر. خطاب هؤلاء المتحمّسين يشبه أن نقول أن الطعام نهار رمضان لا يكون لذيذًا مثلًا. لا، الطعام لذيذ كل الوقت، والحال كذلك، المرأة مفطورة على حبّ التزيّن وإظهار فتنتها لغير محارمها، والشباب مفطورون على التلذّذ بإشباع شهواتهم دون "ورقة مكتوبة". لا يعكّر الهناء بهذه اللذات، وغيرها، سوى تأنيب الضمير لو كان المرء يتصرف على خلاف ما يؤمن.. وما دام الكفّار لا يؤمنون بما تؤمن به فهم في سعادة ورضاء تامّ في حيواتهم. لا داعي لإظهار الأسى على حياتهم، الأدعى للأسى هو هذا الخطاب الوعظي المخادع، لأنه يصوّر للناس أنّ في الإلتزام راحتهم الكبرى فلمّا يلتزمون إذا بالضيق يلازمهم ويكون سببًا لانتكاسهم أو يتركهم صرعى هذا التشويه النفسي.

0 بصمات:

إرسال تعليق

اترك بصمة.. و اعلم أن هناك من يقتفي الأثر