6 نوفمبر 2016

لو لم أدري..

ما أكثر ما كانت تستفزّني عبارة بيجوفيتش المشهورة: "لو لم أدري لكان حزني أقل"، ما أكثر ما كنت أستغرب قلّة المنطق فيها؛ كان يبدو لي أنّه يُفترض به إن لم يدري فلن يحزن أبدًا، هكذا قياسًا على بديهة المنطق، ولربّما لو شئنا أن نفلسف الأمر قلنا لو لم يدري لكان حزنه أكثر لأنّ "ذو الجهالة في الشقاوة ينعم". ولأنّ "إذا ما كنت لا تدري فالمصيبة أعظم".

لكن لا، لبيجوفتش كلّ الحقّ. احساس الإنسان في كثير من الأحيان تجاه حقيقة معيّنة يكون قويًّا، وخبرته تجعله شديد الثقة بحدسه لكن ما دام لا يدري بها على الوجه التحقّق واليقين.. لو لم يختر المواجهة ويتحرّى عنها يظلّ بإمكانه تجاهلها والتكيّف مع حزنه الأقل حيالها.. حزنه الأقلّ من حزن التيقّن منها. يبقى بإمكانه مواساة نفسه بـ"ربّما"، وربّما هذه تدفعه لالتماس سبعين عذر تكن درعه الحامي من نهش الحقيقة التي ستأكل قلبه ثم تمجّه.
صحيح أنّ ثقته غير المكتملة ستزعج كثيرًا لكنّ الدراية الكاملة عيانًا بيانًا مع العجز عن إصلاحها نقطة عدم رجوع، موجعة مثل جرح مفتوح للهواء لا تستطيع معه صبرًا ولا تغييرًا.
اللون الرمادي أحيانًا خير الألوان، ولا تنقّبوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم.

0 بصمات:

إرسال تعليق

اترك بصمة.. و اعلم أن هناك من يقتفي الأثر